إشراقة
خريطة
طريق النجاح
النجاحُ في مجال ما ليس مرهونًا بالضرورة بمُؤَهِّل أو أَهْلِيَّة، وإنما يعتمد النجاح إلى ذلك على أمور أخرى عديدة تُسَاعِد ذا مُؤَهِّل أو أَهْلِيَّة على استثمار مُؤَهِّله أو أَهْلِيَّته وتفعيل ما لديه من قدرات على تحقيق إنجاز في مجال تخصّصه.
منها
الوعي الفاعل
الدقيق
بالذات
والثقة بها؛
حيث إن ما
يحمل الإنسان
من تصورات
نفسية إيجابية
أو سلبية عن
نفسه
تُجَسِّد
عاملاً أساسيًّا
كبيرًا في
تحديد اتجاه
حياته وتحديد
مدى قدرته على
الاستجابة
للأحداث تقع
حوله؛ فمهما
كانت أهليته
لائقةً فإنه لا
يُتَاح له أن
يستغلّها في
مكانها و
أوانها على
مستوى كفيل
بالنجاح إلاّ
إذا اقتنع
بوجودها لديه
فعلاً.
رجل
قويٌّ قادر
على مصارعة
بطل قويّ آخر
معروف بقوّته
العضليّة
الفائقة لا
يمكنه أن يستفيد
منها إلا إذا
كان لديه وعي
كامل بأنه
قويّ حقًّا
وقادر على
التغلّب عليه.
وكذلك كاتب
بارع يمتلك
أهليّة
الكتابة الـمُمَيِّزة،
يستطيع أن
يكتب ما يجعله
شامًّا بين
المعاصرين من
الكُتَّاب
المهرة، إذا
آمن نفسيًّا
أنه يمتلك
حقًّا قدرة
كتابيّة ممتازة
و وثق بقدرته
ثقة مثمرة
يُكْتَب لصاحبها
النجاح
والانتصار في
مجال عمله
الـمُمَيِّز.
ومثل ذلك
خطيبٌ
مِصْقَع
يمتلك أهليّة
الخطابة
السحريّة
والبيان
الآخذ
بالألباب،
لايمكنه أن
يستفيد منها
إلاّ إذا
أَدْرَكَها
وَوَعَىٰ بها
واقتنع
ابتداءً أن
لديه القدرة
الخطابية
التي قلّما
يدانيه فيها
أحد من خطباء
العصر.
فالوعي
الصحيح
بالذات
والثقة
المُطْلَقَة
بها وإدراك
مواضع القوة
والضعف التي
يحملها الإنسان،
عاملٌ
أساسيٌّ من
عوامل النجاح
والانتصار في
مجال من
مجالات
الحياة؛ فكم
من مُؤَهَّل
قادر ينهار
لدى قيامه
بالعمل الذي
هو من اختصاصه
عند ما يتصوّر
عن نفسه
تصوّرًا سلبيًّا
ويفقد الثقة
بالذات،
فتتضاءل
لديه، فلا
تطاوعه في
تحقيق النجاح
وإحراز
الانتصار وإنجاز
العمل –
الذي يتصدّى
لإنجازه –
بالشكل الذي
يستحق به لقب
«ممتاز».
الأهليّةُ لا
تعمل إلاّ على
أساس القوة
النابعـة من
داخل نفس
الإنسان، وهي
لا تنبع إلا
إذا وثق بها مُطْلَقًا،
وحمل عنها
تصوّرًا
إيجابيًّا متفائلاً؛
فكم من ذي
أهليّة ينهار
لدى تعرضه
لأداء دوره المرتقب
في مجال ما؛
لأنه انهار من
داخله ولم يثق
بذاته، فطرحت
ثقتَها عنه،
ولم تطاوعه ليقوم
بوجه مطلوب
بما تصدى
للقيام به.
ومنها
تحديد الهدف و
وضوحه في ذهن
الإنسان؛ لأن
غموض الهدف
يضيع الوقت
والجهد معًا.
خرجتَ من بيتك
لتصل إلى أيّ
مكان، وبدأتَ
تتخبّط في الطريق
خبطَ عشواء،
فلا تصل إلى
المدرسة أو
المسجد إلاّ
بفضل حسن
الصدفة، وقد
لا تصل إلى أي منهما؛
لأنك ما
حدّدتَ
الهدفَ من
خروجك من البيت
ومشيك على
الطريق،
فيضيع وقتك
وجهدك سدى. ولو
كنتَ قد
حَدَّدْت
الهدف من
خروجك من بيتك
بأنك تريد
الوصول إلى
المدرسة أو
المسجد،
لكنتَ قد
سلكتَ أقربَ
وأقوم الطرق
من بيتك إلى
المدرسة
أوالمسجد،
فوَفَّرْتَ
الجهدَ والوقتَ
معًا. تحديدُ
الهدف يساعد
الإنسانَ دائمًا
على السير إلى
اتجاه الهدف
بنحو مباشر.
ومنها
معرفة طُرُق
الوصول إلى
الهدف أو التخطيط
للوصول إلى
الهدف. قد
يكون الهدف
واضحًا مُحَدَّدًا؛
ولكن صاحبه لا
يعرف
الطُرُقَ المُؤَدِّيَة
إليه، فلا
يسلكها وإنما
يسلك طرقًا
أخرى قد تبتعد
به عن الهدف
فضلاً عن أن
توصله إليه.
إن التخطيط
المسبق يساعد
على كسب النتائج
المرجوة في
أقرب وقت
وبأسرع طريق،
فلا بد من رسم
الخطوات،
وحسن
الإدارة،
وتنظيم الوسائل
المساعدة،
وترتيب
الأولويّات.
ومنها
التركيزُ على
هدف مُحَدَّد
واجتنابُ أن
يتوزع
الاهتمام بين
كثير من
الأمور؛ لأن الإنسان
حينئذ لا يقدر
على إنجاز ما
هو بسبيله مُتْقَنًا
مُثْمِرًا؛
لأنه لايكون
بوسعه أن يضع
جهدَه كله في
إطار تحقيق
شيء
مُعَيَّن،
وإنما يتبعثر
سعيُه بين
أهداف شتى؛
فلا ينجح في
إتقان أي
منها.
وذلك
شيء نلاحظه في
أننا لا نجد
أساتذة مُتْقِنِين
لأي مادّة من
الموادّ التي
تُدَرَّس في
جامعاتنا
الإسلامية
الأهلية في
شبه القارة
الهندية،
مثلما كنا
نجدهم في الماضي؛
لأن العصر
الذي نعيشه
سلب الإنسانَ
أهليّةَ
التركيز على
هدف
مُحَدَّد،
وتَوَزَّعَت
اهتماماتُه
بين أهداف
كثيرة؛ فهو
يودّ أن يحصل
على كل شيء
وأن يكون
عالمًا بكل
مادة؛ فلا
يكون بوسعه أن
يُتْقِن أي
مادة من
الموادّ؛ لأن
العصر أوجد
مجالاً
لتنافس محموم
بين أبنائه،
فكل عضو من
أعضاء الجيل
الجديد يحاول
جاهدًا أن
يغلب غيره في
جميع العلوم
والفنون والتخصصات،
فلا يتمكن من
إتقان أي
منها؛ لأن جهوده
لا تعطي
ثمارها
لكونها غير
مُرَكَّزة
على شيء
مُعَيَّن.
والتركيزُ هو
الشيء الوحيد
الذي
يُمَكِّن
الإنسان من
إتقان ما
يُرَكِّز عليه
همتَه وجهَده
وهواه. في
الماضي لم
تتضافر هذه
الأسباب
المدمرة
للوقت والجهد
لدى الإنسان
والمُوَزِّعة
لاهتماماته
بين هوايات مختلفة؛
فكان يسهل
عليه أن
يتفرّغ لما
كان يهدف إليه
من الأعمال
المرغوب فيها
لديه، فكان يتوفّر
عليه، وينقطع
إليه، ويعصر
فيه قواه الفكرية
والجسميّة،
الأمر الذي
كان يُتِيح له
أن يتقنه بحيث
كان يشار في
شأنه إليه
بالبنان؛ لأنه
يكون قد تخصص
فيه واستوعب
جوانبه
وأَلَمَّ بكل
شيء يتعلق به.
أمّا اليوم
فالإنسان
أصبح يعلم
كلَّ شيء بحيث
لا يعلم أيّ
شيء؛ لأنه يُلِمُّ
من كل شيء
بنواح وتفوته
منه نواح كثيرة؛
حيث لم يجد
الفرصة متاحة
للتقصي
والاستيعاب
فضلاً عن
الدقة
والإتقان.
كما
أن وسائل
الإعلام
وتكنولوجيا
المعلومات
المتطورة
التي غزت كل
مكان في البيت
والشارع
والمدرسة
ومكان العمل
والمكتب
والمحل التجاري
وخلوات
الإنسان شلّت
قوى الإنسان
الفكرية
وقدراته
التركيزية؛
فكم من طالب
ضاع لأنه لم
يُرَكِّز
اهتمامه على
الدراسة، وكم
من تاجر خسر
لأنه وقف أوقات
العمل على
العبث
بالإنترنت
وبالجوّال، وكم
من مدرس فاته
تحضير الدروس
التي كان
عليها أن
يلقيها عن
إتقان، فحضر
الفصل
الدراسيّ، وتعامل
مع وظيفته
بنحو لم يستفد
منه الطلاب استفادة
مطلوبة، وكم
من مُوَظَّف
حضر المكتبَ
أو مكانَ عمله
مجهودًا
مكدودًا؛
لأنه سهر الليل
كله مع
القنوات
الفضائية. فلم
يقدر على أداء
واجباته على
ما يرام.
واعلم
أن النجاح في
مجال ما يتوقف
على العمل الدؤوب
والصبر
والمثابرة. إن
ذلك عامل
أساسي من
عوامل
النجاح؛ حيث
إن كثيرًا من
الناس
يستوفون
العوامل السالفة
من عوامل
النجاح؛
ولكنهم لا
يصبرون إلى النهاية
وإنما يرجعون
من وسط
الطريق. إن
هذا العامل
يُشَكِّل
فارقًا
كبيرًا بين
الناجحين
والفاشلين؛
حيث إن
الناجحين
نجحوا لأنهم ثابروا
وأكملوا
المسير،
والفاشلين
بدؤوا بداية جميلة؛
لكنهم فقدوا
الصبر ولم
يستطيعوا الاستمرار
في الرحلة؛
فلم
يُحَقِّقُوا
المراد. الحضارةُ
المعاصرةُ
سَلَبَت
الإنسانَ ملكةَ
الصبر حتى
نهاية المطاف
وحَوَّلَتْه
عجولاً
متسارعًا لا
يدأب على هدف،
ولا يصبر على
غاية؛ لأنه لم
يَبْقَ في
حياته متسع
لوقفة مُتَأنِّيَة
وانتظار طويل.
والذي
ينبغي أن يظلّ
مُلاَحَظًا
لدى كل من ينبري
لتحقيق نجاح
في مجال، أن
يظلّ دائمًا
متفائلاً،
بعيدًا عن كل
نوع من
التشاؤم؛ لأن
النجاح لا
يصنعه إلاّ
المتفائل
المؤمن
بقدرته على
إحداث تأثير
في نفسه
ومجتمعه وما
حوله. الإنسان
المُحَطَّم
المصاب
بالإحباط،
المعتقد بعدم
قدرته على صنع
نجاح مُؤَثِّر
أو قيادة
تغيير فاعل،
لا يمكنه أن يحقق
نجاحًا أو
يُنْجِز
شيئًا لافتًا
للانتباه
مستقطبًا
للاهتمام.
(تحريرًا
في الساعة 12 من
ظهيرة يوم
الخميس: 14/رمضان
1436هـ = 2/يوليو 2015م)
أبو
أسامة نور
مجلة
الداعي
الشهرية
الصادرة عن
دار العلوم ديوبند
، محرم – صفر 1437
هـ = أكتوبر –
ديسمبر 2015م ، العدد
: 1- 2 ، السنة : 40